الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

كلمتي في مئة يوم على وفاة محمد طه متسمما

كلمة منسق الحملة عمر الفاروق النخال في احياء ذكرى مرور 100 يوم على
وفاة الصحافي الشاب محمد طه متسمما

بحثت عن كلمات كثيرة تصف هذا الغياب، فما وجدت أمامي الا الأيام الصعبة التي عبرت على الجرح، والساعات المتثاقلة المتباطئة التي تنكأ الجرح وتحفره عميقا.. عميقا.
ما وجدت الا الثواني السمجة تسكب في نفوسنا ضجر الرحيل المر، الرحيل الذي لم يستفق منه حتى اليوم كل من عرفك وعايشك وأحبك.
... طال الغياب يا طه، مئة يوم مرت بغياب الصوت الذي رسم ضجيج أحلى ايام العمر.

2400 ساعة انقضت وكأنها ذاك الفجر الاسود الذي خطفك منا مسابقا ضوء النهار.
144000 دقيقة مرت على صمت جفونك وعلى صمتنا المفجع.
864000 ثانية مضت بلا روح عذبة مرحة تملأ ايامنا القلقة الحزينة.
طال الغياب يا طه، وأنت الحاضر في كل يوم وساعة ودقيقة وثانية، حاضر في حديث الأحبة الأوفياء وفي كل صورة كست جدران عزلتنا وفي كل مشوار يتيم.

فمتى؟
متى يا طه ينتهي هذا المنام؟
متى تنطق هذه الصور وتقر بأن الرحيل كذبة وبأن روحك تختبئ خلفها؟
متى تقرع الأبواب وتدخل علينا تهزأ من أحزاننا وتقول أن موتك ضرب من طرائفك؟
متى تعود مبتسما متأنقا متألقا لتعود الحياة كما كانت؟ لتعود الألوان الى رسوماتك ولوحاتك والى غرفتك الصغيرة التي نخرها الملل؟ ليعود الفرح الى وجوهنا المقهورة؟

هذه أخبارنا هنا يا محمد فماذا عنك؟ أخبرنا عنك قليلا، كل تكتب قصيدة تبرر فيها كتابتك لقصيدة "استقالة روح" ؟ هل ترسم لوحة عن مدينة الفرح التي غزاها الحزن وكساها الحداد؟ ام انك ما زلتَ غارقا بين سطور آخر تحقيقاتك عن سلامة الغذاء، التحقيق الذي كتبتَه يا طه بحروف الرحيل ونقرأه عنك كل يوم بعين التحدي والاصرار والتصميم حتى لا تتكرر مأساة فقدك في اي بيت او عائلة.
***
رفيق العمر، أناشدك وأنت في عليائك أن تكتب ما يليق بدولة اللادولة وبرجال خلناهم رجال دولة لحظة هبّوا ودقوا الصدور بالذهاب في قضيتك الى آخر المطاف أي الى معاقبة المقصر واقفال المطعم المشؤوم حيث قضيت آخر جلساتك واذا بهم كما كل المناورين لجأوا الى أدراج الاهمال والنسيان وفي خيلائهم أن الأمر انتهى.

مرّروا الاسبوع تلو الأسبوع والشهر تلو الشهر، تحاملوا وزايدوا على الجراح، أوهمونا بتقرير طبي واضح ومفصل على قاب قوسين أو أدنى من الظهور، أجلوا وأجلوا فكانت النتيجة يا محمد أن قيمة الانسان في وطننا لا تساوي الا قصاصة مكتوبة بالحبر الناشف!

في الرابع والعشرين من آب الماضي أطلقنا حملتنا لرقابة أكثر حتى لا نبقى مشروع موت لعلّ المياه الراكدة في وزارة الصحة تتحرك، وقبل اسابيع سألنا وزير الصحة علي حسن خليل من لبنان وكافة الدول العربية "وين صار التقرير" عبر مئات الرسائل الهاتقية القصيرة الى رقم معاليه فكانت الاجابة هذه القصاصة المهينة لروحك ولجرحنا ولحقنا الطبيعي في معرفة الاسباب الكامنة وراء وفاتك.

قصاصة أعلمنا بموجبها معالي وزير الصحة علي حسن خليل بانجاز التحاليل الطبية واحالة اجراءاتها الى وزارة الداخلية دون تحديد أي شخص أو معنيّ حتى لمجرد الاستفسار او متابعة الموضوع معه، في خطوة وبالقدر الذي نرى فيها تصرفا غير مسؤول ولا ينم عمّن ملأ الدنيا ضجيجا بالوعود والشعارات البراقة نلمس فيها محاولة جديدة للتهرب وللالتفاف على قضية محمد طه عبر ارسالها الى وزارة الداخلية حيث سنعاود الدخول في دوامة التسويف والمماطلة الاّ اذا جاءت المناخات على عكس توقعاتنا ووجدنا فعلا أن في زحمة الأمنيات والسياسة ما يزال هناك مكان ولو صغير لقيمة الانسان وللشاب محمد طه ولأي مواطن قد يقع اليوم أو غدا أو بعد غد ضحية الاهمال المزمن.
ان هذا التصرف-القصاصة يدفعنا اليوم الى احياء ذكرى مرور 100 يوم على وفاة الشاب محمد طه متسمما ويحثنا على مواصلة اصرارنا وتصميمنا ببلوغ حقيقة واضحة حول اسباب وفاته وبالحصول على تقرير طبي واضح حتى ولو احيل الملف الى قصر بعبدا.

هذه المناسبة مع ما احاطها من تقصير واهمال وجراح تدفعنا الى اطلاق صرخة برسم كل المعنيين، قروح محمد طه الذي سُلبت روحه في بلدنا بأبخس الأثمان ستبقى في رقابكم إذا ما لم تبادروا وتضعوا الاصبع على الجرح وتداوون وجع الناس.

كونوا رجالا لمرة واحدة!
قولوا للمقصر انت مقصر!
قولوا للمهمل انت مهمل!
قولوا للقاتل أنت قاتل!
قولوا لتاجر الموت انت تاجر موت!

مئة يوم صارت أكثر من كافية لتسحبوا ملف محمد طه من أدراج الاهمال وتسمية المقصرين ومحاسبتهم والاّ فان اللقاءات المقبلة لن تكون بعد اليوم في غرف مقفلة وهذا ليس لا بتهديد ولا بوعيد بل مجرد اشارة الى اننا سنلاحق القضية بأنفسنا حتى آخر المطاف اذا ما تواصل الاصرار على الاهمال وتعداد الضحية تلو الضحية جراء لقمة سامة.

ان حملة لرقابة أكثر حتى لا نبقى مشروع موت وايمانا منها بأن أهدافها الموضوعة غير مصممة لقضية محمد طه فحسب بل لكل من يرى نفسه معنيا في تحسين سلامة الغذاء ولكل من يستشعر بأنه قد يكون الضحية المقبلة تطل على الراي العام اليوم واضعة في تصرفه عناوين الحملة على موقعي التواصل فايسبوك وتوتير للتواصل معها والابلاغ عن اي حالات تسمم أو لأي استفسار واقتراح من شأنه المضي قدما نحو نحسين سلامة الغذاء ودائما .. حتى لا نبقى مشروع موت.
***
وفي الختام عودة اليك يا محمد، يا من تجمعنا صورك اليوم وقد صرت صورة التصميم والارادة, وعدنا اليك ان ترقد روحك بسلام وقسمٌ بألاّ تغرق قضيتك كما كل القضايا الراحلة وابطالها الراحلون في مستنقعات التقصير والاهمال وفي مقابر دولة اللا دولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق