العلامة السيد محمد حسين فضل الله كوة نور في جدار الظلمات !!
لن يمضي وقت كبير, لنعرف جميعا حجم الخسارة التي ألمت بساحتنا الوطنية والاسلامية برحيل المرجع الكبير العلامة السيد محمد حسين فضل الله.
لن يمضي وقت كبير, ليقدّر كلٌّ منا أن قلعة من قلاع الوحدة هوت في لبنان وأن جسرا من جسور التعايش فيه انكسر, وأن صوتا من أصوات الاعتدال غاب, لتُفتح صفحةٌ جديدة ستكون حتما صعبة من دون العلامة الراحل.
بالأمس, الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين واليوم العلامة السيد محمد حسين فضل الله خسارة وطنية واسلامية جديدة, في زمن تنهش فيه المذهبية كلَّ ما هو وحدوي وجامع, وتقارع الهواجس بعضها البعض غير آبهة لعناوين التعايس التي اعتدنا التمسح بها في كل مرة يعم الهدوء الجبهات السياسية, وتجريحها عند كل غليان مذهبي وطائفي. لكن السيد فضل الله كان له دائما كلامٌ آخر, حمل العيش المشترك همَّه الأول وشكلت مواقفه ورؤاه منعةً ضمنية للبنان جنبته العديد من الويلات بعد جولات عنف عديدة أراد لها البعض أن تكون آخر مسامير تدق في نعش الوحدة والتعايش, وإذا بمواقف السيد الراحل كانت تحيي دائما هذه الوحدة وتأتي أكبر من اي نزاع وأي خلاف.
لقد شكل السيد محمد حسين فضل الله قامةً فكرية صلبة انهارت عندها كل الحرتقات وكل الأساليب الدسيسة والرخيصة للايقاع بين الطائفة الشيعية الكريمة والطائفة السنية في مراحل عدة ,آخرها أحداث السابع من ايار 2008 التي نزع العلامة الراحل صبغتها المذهبية بفتوى قضت بتحريم شتم او التعرض للصحابة الكرام والأئمة وأهل البيت الأطهار, واسمى ما انطوى عليه فكر الراحل الكبير أنه قهر كل لحظة سياسية أراد البعض احاطتها بالطائقية البغيضة وانتاجها بالايقاع بين اللبنانيين واراقة دمائهم.
ان مواقف السيد محمد حسين فضل الله, جاءت لتقول دائما أن الاعتدال اقوى من اي انقسام عامودي واقوى من اي خلاف في السياسة واي تصادم في الآراء والأفكار, جاءت لتعلن صراحةً أن الدين لا يختزله أحد وأن الطائفة لا يختصرها ملوكها ,وأن العمل السياسي لا يكون بالمواقف الهوجاء المنفعلة بل بالنظرة المستنيرة الى الأمور ومقاربتها بما لا يسيء الى الشركاء في الوطن وهذا بالتحديد ما سطره العلامة الراحل بجملة فتاوى شرعية طيبة, ومجموعة من المواقف السياسية تلقفها السني قبل الشيعي ونالت اعجاب كل لبناني مؤمن بثقافة الانفتاح.
العلامة الراحل, مثل علامة فارقة في نظرته الى المجتمع اللبناني وقراءة تفاصيله فاختار الوقوف دوما في موقع وسطي مستقل راعى كل التوجهات ورد على كل الهواجس وخففها كاسرا بذلك ما يعرف بخصوصية الطائفة وغيرها من المسلمات المذهبية المتحجرة ,فحرص على تقويم اعوجاج طائفته أولا واجراء النقد الذاتي قبل التوجه الى الآخرين والتصويب عليهم وهذا سلوك نادر نفتقده في كثيرين على ساحتنا اليوم يدّعون باعًا طويلاً في السياسة.
والسياسة لم تكن في فكر العلامة الراحل استعراضا لمجرد اطلاق المواقف وحسب, بل كانت تذكيرٌ دائم بأنها اشرف العلوم قال فيها العلامة كلاما جمع بين حراك الداخل والخارج ملاحظا ما يهدد لبنان وأمنه الوطني ومشيرا الى النيات العدوانية لاسرائيل التي لم يتوان عن فضحها عن منبر سيبقى يردد اصداء المواقف المقاومة وبقلم بنّاء برز من خلاله الراحل ملهم المقاومة الأول.
وجميعنا يذكر مقالات السيد الراحل خلال حرب تموز صيف العام 2006 التي كتبها باشراقة غير معهودة في حياتنا السياسية اذ انطوت على السياسة والاستراتيجية والجهاد والوعظ ,بدا فيها السيد فضل الله العالم والمحذر من مخططات العدو الاجرامية وملهم المقاومين المرابطين ومرشد اللبنانيين المنقسمين آنذاك حول توقيت الحرب وظروفها.
ويبقى القول أن ليس الشيعة وحدهم خسروا العلامة السيد محمد حسين فضل الله بل الوطن التائق الى كسر الاصطفافات والمتاريس الطائفية والسياسية المظلمة ,والتي انبعث فكر العلامة الراحل منها كوة نور مضيئا ظلمات الجهل بنبع لا ينضب من الأخلاق والقيم.
اليوم يرحل العلامة السيد جسدا الى دنيا الحق ليبقى اثرا ماثلا في ضمير كل المنفتحين والوسطيين والمعتدلين ويكفي سماحته انه قال ذات يوم " أن السنة هم اهل الشيعة لأنهم بحبون أهل البيت ويقدسونهم , والشيعة هم أهل السنة لانهم يتبعون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
عمر الفاروق النخال
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق