خواطرٌ ... في سنة أبكتني كثيرًا
كلٌ منا يقيس سنة مرت بما زرع وما حصد. التاجر بالربح والخسارة, الشاعر ببحور الشعر وصليل القوافي ورنين الكلمات, العاشق بومضات السعد والباقات, والمواعيد الوردية والهمهمات.
أمّا أنا فاقيسها ببحر الدمع الذي سال, وينابيع الأسى وسواقي القهر التي فاضت فأغرقت احلاما منسية, وجرفت أشتات سعادة خبأتها متنفسًا لحزن قادم من بعيد, يلوّح لي بقوارير رمادية جاء يملأها بدمعي وبسحب سوداء جاء ينثرها في سماء صباحاتي, وبلحية كهل متطفل يزورني مساءً ليرثي حلاوات الذكرى الخالدة.
اقيسها أنا بأغنيات تغيرت على مسامعي وتبدلّت, لكأنها كانت بسكري بها تنصب أفخاخ الماساة التي فيها سقطتُ وسقطت معي خابية الزمن الملون, فانكسرت كما انكسرتُ أنا وتطايرت شظاياها كما تتطايرت شامات التبسِّم عن ثغري فمزقتني كما مزّقت لباس السكينة عن أحلامي وأجفاني وأعصابي وشراييني.
أقيسها أنا بجوقة حزن تقيم كلَّ ليلة على سريري, تعزف ألحان الأنين وتبعث بأوتارها اللئيمة صوت ظلي .. صوت حبي .. صوت روحي .. صوت حسون بعيد.
يجيء رقيقًا, يحط على برهة ثمينة ويرحل مستعجلاً خلف صمت المسافات الى حيث أزعن الفراق لحروف الغربة أن تُكتب, فاستجاب القدر وخطَّ سنةً أبكتني كثيرًا.
لم تُبكني فقط, بل روَّضت دمعي على أسلوب وايقاع منتظم له مسلّماته المؤلمة, يلاحق ابتساماتك المتهوّرة ويرديها بصوت فيروز وهي تتحايل على قبح الغربة قائلةً... سنرجع يومًا. يتلصّص على طُرفةٍ متمردة فيُدميها حالاً بصوت العندليب الأسمر بندائه ... يا مسافر وحدك.
وهكذا يصدح صوت العندليب الاسمر, ويتلعثم الحسون الاسمر على الأنغام المتثاقلة لأناشيد الغربة التي ازدادت خصوبةً في سنة الدمع المصبوب.
سنة جرّدت كلَّ المشاعر والقيم من ثوب المألوف, وشوّهت كلَّ مُحبب بالندوب, شهوهت شملنا على مائدة رمضان باختصارها الحسون, وشوهّت حلمي به ليلة سافر بملح دمعي وملح قوته البعيد المعذَّب.
سنة أبكتني كثيرًا ... وكفى !!
عمر الفاروق النخال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق