الطائفية السياسية: لماذا الآن؟!
عندما نسأل عن أسباب اثارة البعض لمسألة الطائفية السياسية, ومطالبتهم بالغائها في هذا التوقيت تحديدا, فاننا بكل تأكيد لا نقدم مرافعة دفاع عن تلك الاشكالية – الآفة, فكم من الويلات جاءت بها الطائفية "الخام" على وطننا لبنان قبل أن يقرر ملوك الطوائف فيه تذويبها بالسياسة!!
الطائفية السياسية, مفهوم ارتكبت باسمه جرائم عدة بحق الدستور والقانون وحتى بحق المنطق, فشكل سببا كافيا لشل الحياة البرلمانية والديموقراطية عند كل استحقاق وكل قرار مصيري حيث لم يكن بمقدور اللبنانيين معالجة أي تفصيل في السياسة اللبنانية دون النظر الى التوزيع الطائفي والى الحيثيات التي تتمتع بها كل طائفة, الأمر الذي فتح شهية (المشرعين) على اغداق المزيد من المفاهيم التسووية على الركود السياسي والديموقراطي المزمن ليصبح للمراوحة وللتعطيل الكلمة الفصل في اي قضية أو موضوع او اجراء, وليتمترس كل فريق بمواقفه خلف طائفته وخلف حضورها وطنيا وسياسيا.
هذا فضلا عن البدع الدستورية التي انتجتها الطائفية السياسة, والتي جعلت من الدستور لقمة سائغة في افواه الانقلابيين فيعدّل ويتم تفسيره بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة ومع طموحات عدائهم له وللأعراف وللقوانين التي بقيت بوجود آفة الطائفية السياسية حبرا على ورق !
من هنا اذا تأتي احقية سؤالنا حول سر الكلام عن الطائفية السياسية الآن, في زمن الغليان المذهبي والطائفي وليس قبل ذلك حيث كان يمكن معالجتها من خلال طاولات الحوار التي عقدت والتي كان متاحا التوصل من خلالها الى حل يجنب اللبنانيين اثارة اشكالية من هذا العيار في لحظة سياسية حرجة كالتي نعيشها, حيث استغرقت عملية تشكيل الحكومة أشهرا عدة فكم ستتطب هذه القضية الشائكة والحساسة منا اذا الوقت لمجرد استيعابها فقط؟؟
يكمن اعتراضنا على طرح الغاء الطائفية السياسية اليوم, انه في غير زمانه ومكانه نظرا الى أن ساحتنا اللبنانية غير مهيئة حتى اللحظة لانتزاع الطائفية بحد ذاتها من وجدان الشعب اللبناني, الذي نشأت شريحة واسعة منه خلال الحرب الأهلية فكيف اليوم وقد تغلغلت الطائفية الى السياسة, التي لا تخلو هي الأخري من الحروب القذرة وغير الشريفة.
وتأتي أحقية السؤال نظرا الى أن هذا الطرح يتطلب من مثيريه تقديم التنازلات ومصارحة الشعب اللبناني بتاريخم وخلفيتهم وبالمغانم التي اكتسبوها بفضل الطائفية السياسية, فهل يستطيع الرئيس نبيه بري المطالب بالغائها على سبيل المثال التنكر لشيعية حركة أمل؟؟ وهل كان بامكانه الوصول الى سدة رئاسة المجلس النيابي طيلة عشرين عام تقريبا لولا تلاقي غالبية الطائفة الشيعية على ترشيحه ؟؟ وهل كان لحركة أمل أن تستمر لولا اصرار مناصريها من الشيعة على أن تكون منبرا لاسماع صوتهم المستقل نسبيا عن خاطف الطائفة الشيعية أي حزب الله؟؟؟
ثم هل بالامكان اقناع الطائفة السنية التي انقلب عليها سلاح حزب الله الشيعي في 7 ايار 2008 بالتخلي عن منصب رئاسة الحكومة ؟؟
وهل يمكن سلب موقع رئاسة الجمهورية من المسيحيين, في وقت يشتكون من تراجع دورهم الوطني ؟؟
وهل يمكن لحزب الله التحول الى حزب وطني, وترك عقيدته الشيعية ومراجعه الدينية في ايران جانبا في حال ألغينا الطائفية السياسية؟؟
أسئلة ليست رهن المعنيين بالاجابة عنها, بل رهن انقلاب أبيض لن يتحقق وسيبقى مجرّد حلم في وطن تجذرت فيه الطائفية وأخذت منه السياسة كل مأخذ فجاء مزيج الطائفية السياسية ثقيل عليه وعلى أبنائه وثقيل على من تورط أخيرا باقتراح الغائها من القاموس اللبناني لكونه أولا واخيرا واحد من مفاعيلها ومن اشكالها ومن معانيها ومن رموزها الى جانب رموز كثر لن يلغوا أنفسهم في ساعة تخلٍ !
مرة جديدة اذا, يخطىء اللبنانيون في قراءة أجواء الهدوء والتقارب لأن المطالبة بالغاء الطائفية السياسية الآن هي بمثاثة الدعوة الى الغاء ما دأب اللبنانيون على تلطيفه دوما بالعيش المشترك, الذي يشكل الغاؤه عمليا 7 أيار كلامي ... والحرب أولها كلام.
عمر الفاروق النخال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق