فــي مثـل هـذا اليـوم .. كـان أسـوأ خـبر !!
* بقلم المصاب المذبوح في رحيلك .. عمر
كانت الساعة تلامس الثانية فجرا من ذلك اليوم المشؤوم الأسود, استسلمت عيناي لغفوة قصيرة بعد يوم طويل في مستشفى المقاصد قضيته الى جانب طه, صديق عمري المريض الذابلة عيونه والمحاط بالنباريج والآلات من كل ركن وزاوية, قضيته انا وأهله وأصدقاء متحلقين حول صمته وحول أنين العناية الفائقة وأصوات آلاتها الثقيلة السمجة, متحلقين دون ادراكنا باننا له مودعين.
رنَّ هاتفي قاطعا غفوتي وموقظا شفاهي التي ما انفكت تدعو الله القادر ان ينشل طه من مرضه وأن يلطف به وبشبابه, أمسكته بفرح ما بعده فرح, بسرور كبير, بثقة عمياء ان طه تحرك وتماثل للشفاء واستفاق من الغيبوبة الثقيلة لينتهي معها الأحد الثقيل, وليفتح الأسبوع أول ايامه ببشرى عودة طه الينا معافا ضاحكا كما عوّدنا, ماسحا أثقال المرض عن عينيه البنيتين النابضطين معاني الحياة والطموح والغد الأحلى, متأنقًا متألقا ينثر الفرح أينما حل.
_ أيه ديانا (شقيقة طه) طمنيني
_ راح محمد يا عمر ... راح يا عمر
أكثر من نصف ساعة وأنا لا أقوى على النهوض من فراشي, كل اعضائي ترجف حتى لساني وشفاهي التي ما استطاعت مناداة أخي في سريره المجاور لي, تعطلت مسامعي وكذلك حواسي لاستيعاب هكذا نبأ في الوقت الذي كان فيه القلب الكبير والطيب لفظ آخر دقاته, وفاضت الروح العبقة الى باريها مسافرة الى دنيا الحق.
لماذا أريد النهوض؟؟ لاهدأ؟؟ لأعود وأصدق ان ذكريات أعذب خمس سنوات من عمري وقبلها ألوان وألعاب طفولة كاملة انتهت, وقد وُضّبت لتدفن كما دفن طه؟؟
-هيدا قضاء الله وقدره... وحّد الله يا عمر.. روق يا ماما حبيبي روق.. قول لا اله الا الله ..عمر .. عمر
هذا ما لقنت أمي به صعقتي, وهكذا أدفأت عارض البرد الذي اجتاح جسدي قبل ان تكمل تلك المهمة دموع ساخنة وحارقة انهمرت على وجهي تؤشر الى مرارة الحقيقة, وتسخر من استعدادي للاتصال بالاذاعة واعلامهم بانني لن أداوم حتى أكون مع طه وأفرح مه أهله والأصدقاء لحظة تزول عنه الآلام.
كل شيء انقلب رأسا على عقب .. وصلني أسوأ خبر وصار لزاما عليّ ابلاغه للأصدقاء الذين كانت لكل واحد منهم طريقته في تلقي النبأ الزلزال, عدت وحاولت عبثا النوم قبل ان تشرق شمس الرابع من تموز حاملة مع شعاعها صور الرحيل.
لم يكن لدي الوقت لأرى ماذا البس وكيف, لبست ما وقعت عليه يدي واتجهت مكسورا الى الاذاعة علني أجد هناك خبرًا أسوأ أتلهى بتفاصيله قبل ان أعود الى تفاصيل خبرنا السيئ, لم احتمل البقاء طويلا فجرجت لألتقيهم عند قارعة الطريق ينحبون رفيق العمر .. لا لانتظاره استعدادا لمشوار أو زيارة.
ليال غارقة في سواد الحداد .. شحيمي خدّرته الأحزان والدموع .. مايا تجهش .. مي تطيب الخواطر المكسورة والمذبوحة .. ميرنا الدمعة تخنق انفاسها .. سارة في شبه شلل .. نادين في صمت مفجع ودانا لا تقوى على الكلام.
وصلنا الى منزل رفيق العمر, "منّو هون" هكذا استقبلتنا شقيقته الأكبر ناديا على وقع وصول طه في نعشه هذه المرة وما تبعه من دقائق لوعة تقشعر لرؤيتها الأبدان وتشيب لها الرؤوس.
في الطريق الى المثوى الأخير, كان طه طائرا محلقا .. كل شيء انتهى بسرعة رغم زحمة المشييعين .. لحظات رغم سرعتها لا تنسيني الحرقة التي اختلجتني وأنا اقارن بين كتفي الذي لطالما نفض عنه طه كل الاحزان والهموم والمتاعب وكتفي الذي حمله في نعشه .. بين يدي التي ما صافحته لحظة الا بحرارة ويدي التي حملت وجهه الندي لآخر مرة تنزله الى آخر النزهات حيث كان وعد من شقيقه المذبوح حسين بعمرة وفريضة حج سيُهديها الى روحه قبل اقفال اللحد وتناولي أنا وتيناوي (صديقنا القريب) رفشا لدفنه ومعه أحلى صفحات العمر وأعذبها.
***
لهذا يا طه هو أسوأ خبر .. لأننا لم نستفق منه بعد .. ولأنني ان استفقت فهذا لا يحصل الا عند وقوفي عند ضريحك الربيع حيث أُثلج هناك باطمئنان داخلي غريب والا عندما تفي بالوعد والموعد وتزورني في مناماتي بالحلة الحلوة البهية اياها, التي كنت عليها في حياتك.
لهذا يا طه هو أسوأ خبر ليس لأننا لم تستفق بعد من هذا الكابوس, بل لأن كل الأمكنة عنك تسأل شارع الحمرا الذي كنت فيه تجول حاملا حقيبتك (الماركة المسجلة) كما كنت تقول .. كورنيش المزعة حيت تركن ذكريات الطفولة والشباب وأحاديث العودة سيرا على الأقدام من الجامعة .. كتف بيروت (مقهى الروضة) حيث الطفولة والشباب وكل العمر, وبيتي وغرفتي وكل ركن وزاوية ....
في مثل هذه اليلة وهذه الساعات قبل شهر توقف القلب الطيب عن الخفقان .. واسمعني الزمان أسوأ خبر .. في مثل هذه الساعات سافرت يا رفيق العمر يا طه الى دنيا الحق سافرت وتركتنا مؤمنين بقضاء الله وقدره لكن مصابين .. مصابون في الصميم .
***
شهر يمر وكل دنيانا باتت بلا طعم بلا لون وبلا صوت .. الليالي وحشة خرساء والعزاء ابتساماتك وصورك الماثلة في الذاكرة والوجدان وطيفك الراكن في كل ركن وزاوية.
سلام على روحك الطاهرة وعلى ثراك, سلام على ضريحك الربيع المزهر سلام وقبلة شوق على الجبين المُضاء أبدا بالطهر الخالص .
* بقلم المصاب المذبوح في رحيلك .. عمر
كانت الساعة تلامس الثانية فجرا من ذلك اليوم المشؤوم الأسود, استسلمت عيناي لغفوة قصيرة بعد يوم طويل في مستشفى المقاصد قضيته الى جانب طه, صديق عمري المريض الذابلة عيونه والمحاط بالنباريج والآلات من كل ركن وزاوية, قضيته انا وأهله وأصدقاء متحلقين حول صمته وحول أنين العناية الفائقة وأصوات آلاتها الثقيلة السمجة, متحلقين دون ادراكنا باننا له مودعين.
رنَّ هاتفي قاطعا غفوتي وموقظا شفاهي التي ما انفكت تدعو الله القادر ان ينشل طه من مرضه وأن يلطف به وبشبابه, أمسكته بفرح ما بعده فرح, بسرور كبير, بثقة عمياء ان طه تحرك وتماثل للشفاء واستفاق من الغيبوبة الثقيلة لينتهي معها الأحد الثقيل, وليفتح الأسبوع أول ايامه ببشرى عودة طه الينا معافا ضاحكا كما عوّدنا, ماسحا أثقال المرض عن عينيه البنيتين النابضطين معاني الحياة والطموح والغد الأحلى, متأنقًا متألقا ينثر الفرح أينما حل.
_ أيه ديانا (شقيقة طه) طمنيني
_ راح محمد يا عمر ... راح يا عمر
أكثر من نصف ساعة وأنا لا أقوى على النهوض من فراشي, كل اعضائي ترجف حتى لساني وشفاهي التي ما استطاعت مناداة أخي في سريره المجاور لي, تعطلت مسامعي وكذلك حواسي لاستيعاب هكذا نبأ في الوقت الذي كان فيه القلب الكبير والطيب لفظ آخر دقاته, وفاضت الروح العبقة الى باريها مسافرة الى دنيا الحق.
لماذا أريد النهوض؟؟ لاهدأ؟؟ لأعود وأصدق ان ذكريات أعذب خمس سنوات من عمري وقبلها ألوان وألعاب طفولة كاملة انتهت, وقد وُضّبت لتدفن كما دفن طه؟؟
-هيدا قضاء الله وقدره... وحّد الله يا عمر.. روق يا ماما حبيبي روق.. قول لا اله الا الله ..عمر .. عمر
هذا ما لقنت أمي به صعقتي, وهكذا أدفأت عارض البرد الذي اجتاح جسدي قبل ان تكمل تلك المهمة دموع ساخنة وحارقة انهمرت على وجهي تؤشر الى مرارة الحقيقة, وتسخر من استعدادي للاتصال بالاذاعة واعلامهم بانني لن أداوم حتى أكون مع طه وأفرح مه أهله والأصدقاء لحظة تزول عنه الآلام.
كل شيء انقلب رأسا على عقب .. وصلني أسوأ خبر وصار لزاما عليّ ابلاغه للأصدقاء الذين كانت لكل واحد منهم طريقته في تلقي النبأ الزلزال, عدت وحاولت عبثا النوم قبل ان تشرق شمس الرابع من تموز حاملة مع شعاعها صور الرحيل.
لم يكن لدي الوقت لأرى ماذا البس وكيف, لبست ما وقعت عليه يدي واتجهت مكسورا الى الاذاعة علني أجد هناك خبرًا أسوأ أتلهى بتفاصيله قبل ان أعود الى تفاصيل خبرنا السيئ, لم احتمل البقاء طويلا فجرجت لألتقيهم عند قارعة الطريق ينحبون رفيق العمر .. لا لانتظاره استعدادا لمشوار أو زيارة.
ليال غارقة في سواد الحداد .. شحيمي خدّرته الأحزان والدموع .. مايا تجهش .. مي تطيب الخواطر المكسورة والمذبوحة .. ميرنا الدمعة تخنق انفاسها .. سارة في شبه شلل .. نادين في صمت مفجع ودانا لا تقوى على الكلام.
وصلنا الى منزل رفيق العمر, "منّو هون" هكذا استقبلتنا شقيقته الأكبر ناديا على وقع وصول طه في نعشه هذه المرة وما تبعه من دقائق لوعة تقشعر لرؤيتها الأبدان وتشيب لها الرؤوس.
في الطريق الى المثوى الأخير, كان طه طائرا محلقا .. كل شيء انتهى بسرعة رغم زحمة المشييعين .. لحظات رغم سرعتها لا تنسيني الحرقة التي اختلجتني وأنا اقارن بين كتفي الذي لطالما نفض عنه طه كل الاحزان والهموم والمتاعب وكتفي الذي حمله في نعشه .. بين يدي التي ما صافحته لحظة الا بحرارة ويدي التي حملت وجهه الندي لآخر مرة تنزله الى آخر النزهات حيث كان وعد من شقيقه المذبوح حسين بعمرة وفريضة حج سيُهديها الى روحه قبل اقفال اللحد وتناولي أنا وتيناوي (صديقنا القريب) رفشا لدفنه ومعه أحلى صفحات العمر وأعذبها.
***
لهذا يا طه هو أسوأ خبر .. لأننا لم نستفق منه بعد .. ولأنني ان استفقت فهذا لا يحصل الا عند وقوفي عند ضريحك الربيع حيث أُثلج هناك باطمئنان داخلي غريب والا عندما تفي بالوعد والموعد وتزورني في مناماتي بالحلة الحلوة البهية اياها, التي كنت عليها في حياتك.
لهذا يا طه هو أسوأ خبر ليس لأننا لم تستفق بعد من هذا الكابوس, بل لأن كل الأمكنة عنك تسأل شارع الحمرا الذي كنت فيه تجول حاملا حقيبتك (الماركة المسجلة) كما كنت تقول .. كورنيش المزعة حيت تركن ذكريات الطفولة والشباب وأحاديث العودة سيرا على الأقدام من الجامعة .. كتف بيروت (مقهى الروضة) حيث الطفولة والشباب وكل العمر, وبيتي وغرفتي وكل ركن وزاوية ....
في مثل هذه اليلة وهذه الساعات قبل شهر توقف القلب الطيب عن الخفقان .. واسمعني الزمان أسوأ خبر .. في مثل هذه الساعات سافرت يا رفيق العمر يا طه الى دنيا الحق سافرت وتركتنا مؤمنين بقضاء الله وقدره لكن مصابين .. مصابون في الصميم .
***
شهر يمر وكل دنيانا باتت بلا طعم بلا لون وبلا صوت .. الليالي وحشة خرساء والعزاء ابتساماتك وصورك الماثلة في الذاكرة والوجدان وطيفك الراكن في كل ركن وزاوية.
سلام على روحك الطاهرة وعلى ثراك, سلام على ضريحك الربيع المزهر سلام وقبلة شوق على الجبين المُضاء أبدا بالطهر الخالص .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق